قصيدة(ارتسامات اولى لوجه البحر) للشاعر ذنون الاطرقجي قراءة في دلالة البحر بقلم ريم حفوظي

قصيدة(ارتسامات اولى لوجه البحر)

للشاعر ذنون الاطرقجي

قراءة في دلالة البحر

القسم الأول

ريم محمد طيب حفوظي

مدرس مساعد
جامعة الموصل / كلية الآداب- قسم اللغة العربية

نشرت القراءة في جريدة صوت بخديدا العدد 116 تشرين الثاني 2013

يتناول هذا البحث قصيدة "ارتسامات أولى لوجه البحر" للشاعر ذنون الأطرقجي عبر قراءة أولية تأملية هدفها الكشف عن مكنونات البحر وما ينطوي عليه من الدلالات التي تشكل دوراً وظيفياً في بناء العمل الأدبي . ولعل أهمية هذه القصيدة تتمثل في طاقاتها الشعرية العالية التي حافظت على شفافية لغتها على الرغم من كونها تعالج موضوعات مستلة من صلب عالم قاسٍ . كما أن القصيدة امتلكت مجموعة من التقنيات الفنية التي أسهمت في صياغة شعرية متميزة بتلاحمها مع دقة اللحظة الحرجة المتأزمة التي ولدت فيها .
قراءة في دلالة البحر تشكل موجودات الطبيعة عناصر مهمة في العمل الإبداعي ، ”اذ نجد أن تلك العناصر بخصوصياتها الجمالية خير رافد يضفي على عملية الإبداع ديمومة اتصالها بجماليات المكان والبيئة وخصوصياتها"(1) ، بوصف الطبيعة مجموعة من الاشياء المرئية المدلول عليها بكلمة العالم ، وكان للشعر الحديث مثل هذا التماس المباشر والمستمر مع خصوصيات الطبيعة لسعة المساحة القادرة على الوصول بها إلى حد الرمز والدلالة بل لإمكانياته في التعبير عن حالات نفسية واجتماعية وسياسية بعيدة الغور والتأثير في تحول المجتمع واستمرار حركته(2) . لذا فأن التوظيف الفني الناجح للطبيعة هو ذلك الذي يجعلنا نراها عنصراً يحتل مركزاً من اهتمام المبدع ويشغل مساحة لونية تلعب هي وغيرها من ألوان العمل الأدبي وعناصره المختلفة دوراً وظيفياً في حركة بنائه وتطوره(3) . من هنا فان لدراسة توظيف الشاعر للطبيعة في العمل الشعري اهمية كبيرة فهي من جانب تكشف لنا عن اتجاه الشاعر وطريقة نظره إلى الطبيعة بوصفها جزءاً من العالم الخارجي وتفكيره فيها ، كما تكشف لنا من ناحية أخرى عن قدرة الشاعر على تشكيل عناصر لوحته وطرق استفادته من العناصر الجزئية في الكشف عن الحدث الشعري(4) . لذا فأن مفهوم الطبيعة لا يقتصر على مجرد المظهر الطبيعي الذي يلجأ إليها الشاعر لإضفاء طابع معين على شعره ، وإنما يتجاوز ذلك ليصبح معادلاً رمزياً لما يجري من مشاعر إنسانية وأفكار وأحداث يكسبها دلالات تسهم في الكشف عن أبعاد الموقف المادي والنفسي للعمل الإبداعي .
اذ تأتي عناصر الطبيعة في الشعر احياناً ملهمة الشخصية لفكرة ما ، ومعبرة عن الحديث أو الفكرة الملازمة للطبيعة الخارجية ، فكأن الطبيعة بذلك تأخذ شكلا رمزيا للفكرة المطروحة(5) لذا لجأ الشعراء إلى توظيف الطبيعة وعناصرها "بوصفها غابات من الرموز تلحظ الإنسان بنظرات أليفة"(6) .
لقد اتجه الشاعر إلى الطبيعة وبخاصة البحر ليعبر من خلاله عن معاناته . ويبدو ان البحر والنهر والبئر وبقية مصادر المياه وكذلك من عناصر الطبيعة كالأشجار شكلت روافد غنية لإشباع حاجات الشاعر للتعبير ، وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعالم الطفولة التي خلقت ألفة بين الشخصية والمكان ونعني به – البحر- ذلك المكان الواسع . إذ سمي البحر بحراً لاستبحاره وسعته وانبساطه (7) وله خصوصية في أفق المياه فهو مساحة مائية هائلة ، لكن الشعر قد ينحو بهذه الكتلة المائية مناحي متعددة ، والشاعر في هذا البحر يستنهض الخفي من الأحاسيس والرؤى والمشاهدات المخزونة في عقله الباطن ويعطيه مؤشرات جديدة طقسية مرتبطة بالمثيولوجيا والأساطير والحكايات التي استنبطها العقل البشري وسط بيئات مفعمة وغنية بالرمز الدال . استطاع الشاعر خلال ذلك أن يؤسس مقولات ومعتقدات ارتبطت بالموروث الشعبي والاسطوري الذي زخرت به ذاكرة الشاعر والتي حولت الأشياء إلى رموز ومدلولات .
إن البحر والمصادر الأخرى كالأهوار والأنهار والآبار كانت خير عون لكثير من الشعراء بوصفها دلالات على حركة الحياة ونمو الفعاليات وتطورها ، ولعل الشاعر ذنون الاطرقجي واحد من الشعراء المبدعين العراقيين الذين اهتموا بالبحر واسقطوا أفكارهم عليه واستمروا في تأكيد دلالاته ، حيث استطاع هذا الشاعر أن يحول هذا الرافد الطبيعي الى طاقة للتعبير عن الأفكار والهواجس بمنحه دلالات خاصة استجابة للكوامن النفسية ولأحلام الطفولة المختزنة التي تنحصر دلالاتها في الظواهر النفسية والاجتماعية والسياسية – وهي تؤرخ – أي البحار كأماكن – حياة الشخصيات – وتمنحها القدرة على التأثير والخلق والوجود الفاعل في الواقع ، فالبحر يمنح قدرات للتعبير عن الجوانب النفسية لحياة الشخصيات ويمنحها قدرة على التأثير لأنه يشكل مصدر إخصاب ونماء وحياة وهو من ثم منعطف لإدراك الأشياء والظواهر الخفية ، وبذلك يكون هذا الارتباط بالبحر ارتباطا حياتياً عند الشخصيات ، ولحركة البحر وجريانه دلالات تعبر عن الزمن خاصة الزمن الصعب أي أن بعض استخدامات البحر تقيس زمنها من خلال حركته سواء أكانت سريعة أم بطيئة ، وهو بهذه المستويات يؤشر إلى دواخل الشخصيات ، ويحدد إيقاع الزمن ثقله على نفوسهم وتشكيلهم السيكولوجي( Cool

.
إن مخيلة الشاعر تلعب الدور الأساسي في تعميق دلالات مفردات الحياة وخلق دلالاتها الاسطورية الأمر الذي يتطلب من المبدع استيعاب الموروث الشعبي وحكايات الأسلاف سواء كان هذا الموروث على المستوى المحلي أم العالمي ثم النظرة الفاحصة والواعية لحركة الحياة وتطورها(9) . لقد نجح الشاعر في توظيف البحر باتجاه دلالات متنوعة بحيث كان للتعبير عن الحالات التي تناولها طاقة خاصة ومتميزة شحذت المخيلة الإبداعية من اجل التوغل في الجزء الغامض من النفس البشرية عبر نمط ابتكار الشعر واستخدامه استخداماً بارعاً . يشكل عنوان القصيدة (ارتسامات أولى لوجه البحر) أول مفتاح يساعدنا على الولوج إلى النص ليشكل معه بنية متكاملة تتكون من الرأس – العنوان – والجسد بنية النص الشعري الذي لا يمكن العبور إليه إلا من خلال العنوان ليدخلنا في عملية محاورة مع كلمات القصيدة وملفوظاتها ، ولما كان العنوان يحيل على مرجعيته(10) التي هي النص الشعري لذلك قررنا ان نبدأ المعادلة القرائية بالدخول في حوار مع عنوان النص ليكون قناة توصلنا إلى فتح مغاليق دلالات وإيحاءات التشكيل لخلق معادلة متوازية إذ لا يمكن أن نفهم العنوان بمعزل عن النص ولا أن نفهم النص بمعزل عن العنوان من خلال انتقال دلالة البحر في السياق الاجتماعي والعرفي التاريخي إلى سياق مرتبط بروابط جديدة في مخيلة الشاعر .
[/size]

الهوامش :

1.         ينظر : دلالة النهر في النص ، عاصم عاصي ، 7 .
2.         ينظر : المصدر نفسه ، 8 .
3.         ينظر : التوظيف الفني للطبيعة في أدب نجيب محفوظ ، د. صالح هويدي ، 9 .

4.         المصدر نفسه ، 9.
5.         المصدر نفسه ، 72 .
6.         الرمز والرمزية ، محمد فتوح أحمد ، 75 .
7.         ينظر: لسان العرب لابن منظور،4/41، ومقاييس اللغة لابن الحسن بن فارس، 1/201 .
8.         دلالة النهر في النص ، 10 .
9.         المصدر نفسه ، 11 .
10.       ينظر : العنوان وسيموطيقيا الاتصال الأدبي ، د. محمد فكري الجزار ، 76-82 ، والسيموطيقيا والعنونة ، جميل الحمداوي ، مجلة عالم الفكر ، الكويت ، مجلد 25 ، عدد 3 ، 1997 ، 96-97 .

[size=18]

» قراءة نقدية في الموروث الشعبي لقصة (البيوت الرطبة ) للقاص فارس السردار بقلم لؤي ذنون الحاصود
» الوصف بين تشكيل الصورة ورؤية الذات دراسة نقدية في قصيدة (مطر اليقظة) لؤي ذنون الحاصود
» الخطاب السيرذاتي في قصيدة (هكذا ...أنت وأنا ..وربما ..نحن) للشاعر بهنام عطالله
» فاعلية التصوير في انسجامات بشرى البستاني بقلم لؤي ذنون الحاصود
» قصيدة النثر بين التأصيل والاستقلالية

تصميم جرائد ومجلات وكتب

تعلن ادارة منتديات بغديداتي …

[ قراءة كاملة ]

عمل وتصميم منتديات

تعلن ادارة منتديات بغديداتي عن …

[ قراءة كاملة ]