كيف ينظر اليسوعيّون إلى البابا اليسوعيّ؟[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]بقلم فريديريك مونييه – روما
نقلته إلى العربية نُهاد فرح
يُجسّد الكردينال بيرغوليو، الذي انتُخِبَ بابا، الموهبة الخاصّة بأبناء القدّيس إغناطيوس. والآن، في تقارُبٍ شخصيّ حقيقيّ مع مَن يجتمع بهم، ومع إعطائه أولى العلامات لحكمٍ قويّ، يرسم البابا فرنسيس نموذجًا جديدًا للسلطة البابويّة.
«لا يمكن للبابا فرنسيس أن يفقد ما قد كوّنهُ». يقول الأب جيانفرانكو غيرلاندا وهو يسوعيّ مُتخصّص في القانون الكنَسيّ، خبير استشاريّ لثمانية أقسام من الكوريا الرومانيّة. عميد الجامعة البابويّة اليسوعيّة المرموقة، الغريغوريّة، من 2004 لغاية 2010، والذي شاركَ يوم الجمعة في لقاءٍ حول موضوع: «البابا فرنسيس، بعد شهر»، أمام حشدٍ من الحضور في إحدى قاعات هذه الجامعة.
![كيف ينظر اليسوعيّون إلى البابا اليسوعيّ؟ Regard_jesuite_-_04](https://2img.net/h/www.jespro.org/images/stories/regard_jesuite_-_04.jpg)
كيف يرى اليسوعيّون هذا البابا اليسوعيّ؟ لقد أراد هذا الأخير، بالتأكيد، أن يحمِل دِرعه شعار الرهبانيّة اليسوعيّة: الشمس موسومة بالأحرف الثلاث IHS (Jesus Hominum Salvator ) والتي تعني «يسوع مخلّص العالم». وبذلك يظهر «التوقيع» اليسوعيّ في قلب الشارة البابويّة.
لكن في العمق، كيف يُفعّل البابا فرنسيس هذه البرمجة اليسوعيّة التي لم يمحوها انتخابه؟ وفقًا لتحليل الأب غيرلاندا: «ما يهمّ، هو الموهبة الخاصّة بالرهبانيّة، أسلوبها في التفكير والعمل»، مُعلّقًا بأنّ البابا، ومنذ شهر، لم يُشِر ولا مرّةً واحدة إلى إغناطيوس دو لويولا، كما أنّه لم يذكر الرياضات الروحيّة، وهي القالب الأساسيّ للتكوين اليسوعيّ.
ومع ذلك، « فإن مَن لم يتبع الرياضات الروحيّة لا يُمكنه أن يفهم اليسوعيّين» يؤكّد الأب غيرلاندا، في إشارة إلى ميزتَين أساسيّتين: أهميّة الصليب، الحاضر دومًا في المداخلات العامّة للبابا فرنسيس، بمواجهة الخطيئة، الجماعيّة كما الشخصيّة؛ والقيامة، التي ينظر إليها « بمعناها الوجوديّ أكثر ممّا بمعناها الفكريّ»، والتي يُشدّد البابا في التأكيد عليها، ليقود كلّ شخص إلى اختيار طريقه الخاص تحت نظر الله.«ليذهبوا ويغسلوا الأطباق!»
مُترسّخًا في هذه الخلفيّة الروحيّة، يتمّ تكوين الشخص اليسوعيّ، كما يؤكّد الأب غيرلاندا وكما شاهدنا خلال هذا الشهر الأوّل مِن الفترة البابويّة، على«البساطة في التعبير، وغياب الأبّهة والقُرب الشخصيّ».
يُسلِّط الضوء على هذه الأخيرة الأب ميغيل يانيز اليسوعيّ وهو أرجنتينيّ متخصّص باللاهوت الأخلاقيّ، وقد تمّ تكوينه في العام 1970 من قِبَل الأب بيرغوليو، الذي كان شابًا في ذلك الوقت (33 عاماً)، ورئيسًا إقليميًّا لليسوعيّين. «بالفعل، كان يعرف ما كان يفعله. فقيادته كانت حقيقيّة، خصوصًا خلال تلك السنوات المُربكة التي تلَت المجمع، ويشرح ذلك: لقد صُمّم تكويننا ليكون أكثر قربًا من ثقافة الشعب، ولذلك أراده بيرغوليو أن يكون مُشبّعًا أيضاً بالتاريخ والأدب.»
«وإذا كانت رؤيته اللاهوتيّة لم تكن "لاهوت التحرير"، كما يتذكّر الأب يانيز، فقد كانت في الواقع "لاهوت الشعب"، إذ إنّه أخذ بعين الاعتبار كافّة جوانب الديانة الشعبيّة والمريميّة». آنذاك، «ومن خلال احتكاكه الدائم مع الناس العاديّين» كان بيرغوليو «يُغذّي التكوين الذي أراده لنا»، كما يروي الأب يانيز.
وعلى نحوٍ مُحرِج، يتذكّر اليسوعيّ الأرجنتينيّ طرفة. عندما كان المطران بيرغوليو كردينالاً لبوينُس آيرِس ذهب لتناول طعام الغذاء في المدرسة الإكليركيّة. وبعد الانتهاء من الطعام، دعاهُ رئيس المدرسة للتحدُّث إلى الدارسين، فأجاب «ليذهبوا ويغسلوا الأطباق!» وقام بتطبيق ذلك مباشرة مقدّمًا نفسه كمِثال...«القُرب من شهادة البابا فرنسيس»
بأسلوب أكثر جدّية، يُشير الأب غيرلاندا إلى أنّ «هذا التواضع ليس مرادفاً للضعف»: «إن الإدارة اليسوعيّة قويّة وحازمة.» وقد رأينا ذلك في تعيّين البابا، في 13 نيسان، لمجموعة مؤلّفة من ثمانية كرادلة كلّفهم بتقديم المَشورة في إدارة الكنيسة وإصلاح الكوريا: بيان بسيط يوجز هذا القرار حلَّ مكان النظام القانونيّ، الثقيل والبطيء، الخاص بالكوريا.
في دار القدّيسة مرتا، حيث لا يزال يُقيم البابا فرنسيس، تبقى المشاورات الغير رسميّة جارية، تمهيدًا لتميّيزٍ تُغذيه إلى حدٍّ كبير الصلاة إلى جانب الاتصالات المتعدّدة. إنّ المواعظ اليوميّة في كنيسة القديسة مرتا، والتي تُلقى أمام مجلسٍ «حقيقي»، تُغذّي ما يمكن أن نُسمّيه «إدارة - مُصغّرة» حول هذا «الكاهن الجديد للعالم».
ويُلاحظ المراقبون أيضًا أنّ البابا فرنسيس، منذ انتخابه، لم يُناقش بعد «المواضيع الحساسة»، لا سيّما في مجال الأخلاق الخاصّة. إنّه يتصرّف بالتالي كمرشدٍ روحيّ حقيقي، وهي موهبة خاصّة باليسوعيّين، لكن هذه المرّة على نطاق العالم. مرتكزاً بجرأة على رسالة الإنجيل، فإنّ مهمّته الرعويّة تُعطي الأولويّة للرحمة واستقبال الجميع بغَضّ النظر عن ثقل خطاياهم. هذا ما لمَسَ إيمّا فاتوريني، عضوة مجلس الشيوخ الإيطالي (حزب اليمين) والمتخصّصة بتاريخ الكنيسة. فقد أكّدت، يوم الجمعة مساءً، «في وسط هذا الشغور التام لمركز قيمنا»، على «القُرب من شهادة البابا فرنسيس». فقد عرف هذا الأخير، في نظرها «كيف يرُدّ على الاتّهامات المُقولبة ضدّ الكنيسة»، في «تنديده للتناقض بين ما يٌقال وما يُعاش»، والذي قوّض إلى حدٍّ كبير مصداقيّة الكنيسة.