غسان سالم شعبو
عدد المساهمات : 1 نقاط : 8107 تاريخ التسجيل : 31/05/2013
![بقايا متناثرة بقلم غسان سالم شعبو Empty](https://2img.net/i/empty.gif) | موضوع: بقايا متناثرة بقلم غسان سالم شعبو الجمعة مايو 31, 2013 5:49 pm | |
| بقايا متناثرة القصة الفائزة بمسابقة موقع عنكاوا دوت كوم جائزة شمشا عام 2009 دورة سركون بولص غسان سالم شعبو ما أن سكت زميلي فجأة. حتى سمعنا قرقعة سلاح تلتها زخات متقطعة من الرصاص. إنفجار رهيب عم المكان. قبعت تحت المقعد الخلفي لا أنوي على شئ. طائرة مسرعة مرت كأنها عنقاء تجوب السماء. لمع بريق الخوف على جبين زميلي, تنهدت وأشرت إليه أن يكتم أنفاسه, ريثما تتبين الأمور. تنحنحت قليلاً, فلمح في زاوية النافذة شرارة من رصاص متطاير بجانب الطريق صرخ هلعاً. لوحتُ له بيدي أن يسكت, فسكتنا وسكت المكان. قرقعة متقطعة أُخرى تلتها زخات مجنونة .. تملّكنا الهلع من جديد وإنزلقنا تحت المقاعد .. ففتحت الباب أتلصص المهاجمين الذين لوحوا ببنادقهم وهتافاتهم. عبر الأزقة الضيقة فركلني زميلي وأدخلني عنوة كأنه يلملم رأسي تحت الوسائد. أشعلت سيجارة, فسحبها من بشدة قائلاً: ـ التدخين في مثل هذه الحال كارثة, سينفجر المكان. إبتسمت له ووجهت ظهري للباب في حين بقي زميلي مطأطأ الرأس. كان الضابط المناوب بجوار المكان يراقبنا وهو منشغل بمعالجة الموقف .. كان يدرك أننا عالقون على قارعة الطريق في سيارتنا. رأيت الجنود يقبلون أفواجاً لتعزيز موقف رفاقهم . الناس جميعهم إختفوا خلف الجدران إلا نحن تخيلتُ جارتنا عندما نادتني ذات يوم ممطر وسط عصف الريح في ذلك الشتاء البارد والقاسي لأحتمي بمنزلها. تململت, فإستفزني صوت إنفجار ثانٍ كاد يدمر زجاج السيارات والنوافذ الصامدة في ذلك الحي القديم. حاولت الخروج فلم أفلح فقد تعطل مزلاج الباب من هول الصدمة الثانية, تطلعت إلى زميلي فرأيته يبتسم إبتسامة بلهاء. ـ ما هذه الأحوال ... فقد دُمر كل شئ. ياللهول, إنها النهاية. كدت أبكي, وأسراب الطائرات عادت من جديد ورشقات متقطعة إستقبلتها من الناحية المقابلة. سمعنا صخباً. تعالت أصوات من بعيد, حاولت معالجة الباب لأخلع مزلاجه وفي هدوء اللحظة المرعبة تلك إنفتح الباب وخرجنا من تحت المقاعد وولينا الأدبار. نظرت إلى الضابط المناوب في المكان فلوح لي على أن أنطلق إلى الملاذ الآمن. وإنطلقنا نتدحرج مطأطئ الرؤوس , وإخترنا زاويةً غير بعيدةِ لنحتمي, تململ زميلي قائلاً: ـ ما زالوا هنا في الحي مرابطين, لا أحد يردعهم . ألمحت إليه بالصمت. عندها هوت قذيفة على سيارتنا المركونة على حافة الرصيف, فإنفجرت . لقد دُمِر كل شيءٍ في مدينتنا, حتى سيارتي الحمراء. بصق زميلي على ناحية مجهولة, وخرج الضابط المحتمي بالسواتر الترابية أمام ثكنته يضحك علينا مشيراً إلى سيارتنا المحترقة . فقلت:ـ الحمد لله لقد نجونا, وكم تمنيت تلك اللحظة أن أختطف بندقيته لأطارد سرب الطائرات اللعين وأناطح كل من دمر عربتي الحمراء. خرجت مرة أخرى أصرخ بإنفعال شديد وفي قلبي جرح كبير:ـ لم يعد يفيدنا أحد. الجنود إنتشروا في المكان بحركات عاجلة وأدركوا الموقف. لم أعد أسمع الصيحات في الجانب الآخر. يبدوا أن المهاجمين قد فعلوا فعلتهم وإنسحبوا . ظهر رجل أمامي من خلف الأزقة الضيقة يكشف عن وجهه القبيح وعيناه تقدحان شرراً. كم تمنيت لو ضربته بحجر, ففعلت لكنه إختفى كلص شارد وسط كومة من المباني المتناثرة. لم يعد زميلي يتابع المشهد فقد جلس يمضغ التبغ ويشعل سيجارته من جديد, كان هناك عدة أشخاص قد علقوا في المكان ظهروا وهم يتفضون عنهم الأتربة العالقة من جراء القصف العشوائي فلوح لنا الضابط أن ننطلق فقد إنتهى كل شئ وإنطلقنا، بعد أن سئمنا الانتظار وآندفعنا مبتعدين بخطى سريعة. إنطلقنا تاركين وراءنا عربتنا المحترقة, وأنّات الجنود المدافعين وبقايا متناثرة من البنايات والذكريات. إجتهدتُ أن أُحصي الخسائر وأصور المشهد. لكن زميلي ركلني قائلاً: ـ تراهم يتهمونك بكل هذا الدمار .. هيا .. هيا.. لم يعد بوسعي الانتظار . لننطلق. مسكين صديقي حتى هذه اللحظة لا يصدق أنه نجا من هذه الكارثة . عبرنا الجسر الحديدي القديم على مقربة من الموقع ورحنا نضحك بعفوية الصغار سرعان ما إنقلب ضحكنا إلى رثاء, وإرتسمت على شفتينا إبتسامة بلهاء. لقد هدأت المعركة وصار المكان خالياً. وإنقطع سبيل المارة وحركة المشاة, وشُلت حركة السيارات في المدينة كلها . ـ لقد فرضوا حظراً للتجوال. إندفعنا وسط الأزقة بخطى متسارعة .. كان النهار يلوي إلى المغيب وضياء القناديل تلمع على إمتداد النهر الخالد تاركاً طيفها يتكسر بتموجاته الهادئة, والدخان المتصاعد يخفي حلة الشمس الحزينة بعيداً. قررنا السير عكس الريح التي عصفت وهي تحاول عبثاً إطفاء النيران المشتعلة هنا وهناك, وتطرد الدخان بعيداً .. بعيداً جداً. غدونا بعيدين عن المكان , ورحنا نشق الطرقات بحذر شديد بحثاً عن مأوى .. ما لبثنا أن وصلنا غايتنا , إلتفتنا إلى الوراء عند ناحية الجسر من الجهة المقابلة, كان الضابط مازال في موقعه رافعاً يديه كطيف مسّمر عند النقطة الدالة في العمق البعيد , واقفاً وحده. | |
|
ADMIN المدير العام
![ADMIN](https://2img.net/u/1717/53/75/82/avatars/1-94.jpg)
عدد المساهمات : 785 نقاط : 10256 تاريخ التسجيل : 07/05/2013 العمر : 46
![بقايا متناثرة بقلم غسان سالم شعبو Empty](https://2img.net/i/empty.gif) | موضوع: رد: بقايا متناثرة بقلم غسان سالم شعبو الجمعة مايو 31, 2013 9:25 pm | |
| نرحب بك استاذ غسان سالم شعبو عضوا قيما في منتدانا ونشكرك مشاركتك مواهبك وثقافتك معنا فاهلا وسهلا بك ونتطلع لكل جديد من نتاجك الرائع
| |
|